يقول: (ونظائره كثيرة)، ثم قال: (وحديث شعب الإيمان) أي: أنه ذكر حديث نقص الإيمان، وحديث كمال محبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر حديث شعب الإيمان، وقد تقدم الحديث عنه، وفيه الدلالة أيضاً على أن الإيمان يزيد وينقص، قال: (وحديث الشفاعة: وأنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان) وقد تقدم ذلك مبسوطاً وموضحاً في باب الشفاعة، والاستدلال به واضح، فمن الناس من في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان، ومنهم من في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، ومنهم من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة، وهذا هو يقابل الشعيرة في الروايات الأخرى، ويقابل الذرة هنا بالوصف اللغوي، وهؤلاء هم آخر من يخرج من النار، والنار دركات، فهناك من يخرج قبل ذلك، أي: قبل هذه الشفاعة الأخيرة، وهنالك من يعذب في الموقف في عرصات القيامة، وهناك من يعذب في قبره فقط، وهناك من يعذب في الدنيا بمصائب الدنيا ويطهر فقط.
فهكذا درجات الناس وتفاوتهم في العذاب، وفي حصوله، وهذا بمقتضى إيمانهم، فبمقدار قوة الإيمان يقل التعذيب، وبمقدار كثرة المعاصي ينال صاحبه العذاب إما في القبر، وإما يوم الحساب، وإما أن يمتد إلى النار، وقد يطول مكثه في النار أو يقصر، وآخر من يخرج هو الذي على هذا الحد الذي ليس وراءه شيء من الإيمان، وهو من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، كما جاء ذلك في الصحيح.
إذاً فهذا دليل واضح على تفاوت أهل الإيمان في الإيمان، وكتاب الإيمان في صحيح البخاري رحمه الله هو من أفضل الكتب التي تبين عقيدة أهل السنة والجماعة ، فهو يأتي بترجمة الباب، ثم يأتي بأقوال السلف، والأحاديث المعلقة، ثم يأتي بالأحاديث المسندة الدالة على هذا، فرضي الله تعالى عنه.
قال: (فكيف يقال بعد هذا: إن إيمان أهل السماوات والأرض سواء، وإنما التفاضل بينهم بمعانٍ أخرى غير الإيمان؟!) وهذا قول المرجئة ، ويشاركهم فيه أيضاً الخوارج ؛ فإنهم يقولون: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص لكن بتفسير ومقتضيات ولوازم أخر، والمقصود هنا هم المرجئة ، وهذا ما ينسبه المرجئة إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله، كما ذكرنا ذلك من كتاب العلم والمتعلم ، فإنهم يقولون: إنه يصرح بأن إيمان الواحد منا كإيمان جبريل وميكائيل، وهذا لا شك أنه باطل، ولا تصح نسبته إلى الإمام أبي حنيفة ؛ وإن كان لازم ذلك الكلام هو هذا، ولكن لا يصح أن ينسب ذلك إليه.